معنى المعنى في (أخبار المعنى)

 

 

أحمد الشيخ

  

  أديب كمال الدين شاعر مثابر ومتحمس لموضوعته الشعرية التي يحاول إغناءها دائماً. ومنذ مفردات تجربته التي بدأها بمجموعته الشعرية الأولى ( تفاصيل ) الصادرة عام1976 نلاحظ تنبهه المبكر للقصدية التي تحكم بناء التجربة الشعرية لديه. وهذا مابدا واضحاً في مجموعته الثانية (ديوان عربي) الصادرة عام 1981 حيث اشتغل على تقديم تجربـة جديدة تفيد من الكيفية التي تجمع فيها الدواوين الشعرية العربية على أساس موضوعاتها..

 أما في مجموعتيه اللاحقتين (جيم )1989  و(نون)   1993فقد توجه الشاعر إلى الاعتناء بمفردة دقيقة جداً في مشغله الشعري. حيث تركّز اهتمامه على مسألة الحرف وإدامة تفعيله في القول الشعري مستنداً بذلك إلى جذور صوفية ـ  سيميائية تارة وشكلية ـ جمالية تارة أخرى محاولاً تمرير شفرته النصية عبر قنوات هذه المنظومة المتعددة التي من شأنها أن تضع المتلقي في دائرة طقسية شديدة الدقة والإرباك في الوقت نفسه.إذ تتحوّل الموجودات المادية كما تتحوّل الصورالمتخيلة والمفردات فوق الطبيعية إلى حالة من (القول) المتحدد بماهية متداولة للحرف الذي يعادل القيم الصادرة في ذاكرة الشاعر والمتصيّرة في مدركات المتلقي مما يخلق فجوة  متسعة بين حرفية الحرف لدى القارئ وسرّيته لدى الشاعر. 

 

 وهذا ما ينحرف بالمعنى ـ  ضرورة ـ  لاسيما إذا تصالحنا على وجود رسالة شعرية أبعد من الإجراءات الفنية ـ الشكلية التي من الممكن أن يعمد الشاعر إلى استنفادها .. خصوصاً وإنه شاعر قصدي ومدرك تماماً لأهمية أن تكون لقصيدته أبعاد موضوعية ذات معنى محدد. ولابدّ ان يكون الشاعر قد تنبه إلى هذه الحقيقة  فعمد إلى تقديم المعنى بشكل مكثف ومن خلال مدّ شعري يشتغل ـ دائماً ـ  على الاستغراق بالمعنى أو على وجه الدقة (معنى المعنى). ففي مجموعته (أخبار المعنى) الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد ب ( 84 ) صفحة من القطع المتوسط والمتضمنة (37  نصاً شعرياً ) حاول الشاعر أديب كمال الدين  اختـراق المعنى وبصورة تامة.  وعلى الرغم من حضور المعنى الطاغي في هذه المجموعة التي تراوحت قصائدها بين الطول والقصر والالتزام بالتفعيلة والخروج عليها.. على الرغم من ذلك.. فإنّ (الحرف) مازال صـاحب الخطوة لدى الشاعر حيث قرنه بالمعنى في أكثر من مناسبة .. مما يوحي باهتمام الشاعر بإغناء تجربته الحروفية والتحمّس لها.

 وعليه فيمكن القول إن (أخبار المعنى)  تجربة متقدمة في مسيرة الشاعر أديب كمال الدين، تغني إشكالياته الحروفية بقدر ما تحاول الحضور بوصفها شعراً حراً غير قابل للانضواء تحت أية  ذريعة من شأنها  تسييس القول أو احتواؤه.

في (أخبار المعنى) لم يكن الشاعر مهتماً في إطلاق نصه تحت لافتة القصيدة الجديدة أو قصيدة النثر.. الخ . لقد راهن - فقط - على  تنوير كمائن المعنى الجمالي في القول الشعري وهذه أهمية قصوى.. نلاحظ في الآونة الأخيرة التركيز على بلورتها من  قبل مجموعة من الشعراء العراقيين. بقي أن نشير ـ أخيراً ـ  إلى أن الغلاف الأول للمجموعة احتوى على لوحـة للفنان  التونسي (نجا المهداوي)  وهو الآخر فنان حروفي مشهور مازال يستمد موضوعاته الجمالية التشكيلية من جمالية الحرف العربي. أما الغلاف الآخير فقد حمل أربعة  آراء في تجربة الشاعر لكل من  د.حاتم الصكر وهادي الربيعي ود. مصطفى الكيلاني وحمزة مصطفى. 

 

 ***********************

جريدة الجمهورية - بغداد -   16- 4 -  1996

 

الصفحة الرئيسية